نبذه عن الحافظ أبو الفداء بن الكثير رحمه الله :-
مقدمه :-
عندما نقرأ كتب السيرة والتاريخ الشهيره نتوقف غالبا عند شخصيات نراها عظيمه ومؤثره فى تاريخنا ولكن ينسى بعضنا الرجل الذى قدم لنا هذه السيره والذى امضى جزء كبير من حياته يكتب بوسائل يدويه بدائيه بسيطه جدا لا تتعدى ريشه ومحبره ورقاع من الورق والجلد ويمضى ايام طوال فى الكتابه ليخرج الينا بمثل هذا السّفر الجليل .
وقد قام هؤلاء المؤرخون بالمحافظه على اثار التابعين والسلف والسنه حتى وصلوها الينا بمشقه بالغه ( قارن حفظك الله بين نفسك الان ووسائل التكنولوجيا التى نستخدمها للنسخ وبين هؤلاء الناس واساليبهم العتيقه الصعبه )
واجل تقدير نقدمه لهؤلاء المشايخ الاجلاء هو أن نلقى بقليل من الضوء حولهم وحول حياتهم
ومن هؤلاء واحدا من احب الشيوخ الى قلبى وهو :-
أبو الفداء عماد الدين/ اسماعيل بن كثير
الحافظ بن كثير :-
مقدمه :-
أسمه ونسبه : اسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير
وكنيته ولقبه : عماد الدين أبو الفداء البُصروى ثم الدمشقى القرشى الاصل
قدمت سيرته على انه : فقيه ومفتى ومحدث وحافظ ومفسر ومؤرخ وعالم بالرجال و مشارك فى اللغه وله نظم فى الشعر
ميلاده ونشأته : ولد فى قرية تدعى مجيدل فى بصرى بالشام جنوب دمشق وذلك فى 700 هـ / 1300 م او قبلها بقليل ,
وكان بيتهم من بيوت الشرفاء العلماء وكان اهله ينتسبون الى قريش ومعهم ما يؤكد هذا النسب
وكان ابوه من العلماء والخطباء الفقهاء وكان له شعر رائق وفائق كما قال ابنه عليه وكان اخواه اسماعيل وعبد الوهاب من العلماء ايضا
أجتهاده لطلب العلم :
نشأ الحافظ بن كثير فى اسره علميه , وقد سمع فى طفولته كثيرا عن اخوه الراحل ( اسماعيل الاكبر ) وكانوا يحثونه على ان يكون مثله فى العلم , ثم لم يلبث ان مات الاب وكان عمر الحافظ حوالى ثلاثة سنين ( وكأنه كتب على العظماء من اهل العلم التيتم صغارا )
ثم رحل به اخاه عبد الوهاب الى دمشق فى عام 707 او 706 هـ حيث نشأ هناك وطلب العلم فيها وبدأ فى التعلم على يد اخاه ثم اجتهد فى تحصيل العلوم على يد اكبر مشايخ عصره وختم القرأن الكريم حفظا على يد الشيخ ابن غيلان البعلبكى فى عام 711 هـ ثم قدم الحافظ الكبير بن جماعه فى عام 710 هـ فطلبه بن كثير وتعلم على يديه تخريج احاديث كتاب الرافعى فى فروع الفقه الشافعى
سماعه على مشايخ عصره :
كان شيخنا كثير السماع والاستماع والحفظ على مشايخ عصره وقد عُنى بالسماع والاكثار من نجم الدين بن العسقلانى , وبن الشحنه الحجار وحفظ كتاب التنبيه للشيرازى فى الفقه الشافعى ومختصر بن حاجب فى اصول الفقه وتفقه بالبرهان الفزارى وبالكامل بن قاضى شهبه ثم قرأ فى الاصول على الشيخ الاصبهانى
وقد لزم الحافظ المِّزى ّ وقرأ عليه كتابه الكبير ( تهذيب الكمال فى اسماء الرجال ) ثم من شدة مصاحبته له وتعلقه به تزوج ابنته
ثم لزم شيخ الاسلام الامام ابو العباس بن تيميه ولزمه وتعلق به جدا وتخرج على يديه وقد كان من اعظم تلاميذه وكان له به خصوصيه وتعلق شديد واتباع له فى كثير من ارائه , وكان بن كثير يفتى برأى بن تيميه فى بعض المسائل الفقهيه , وكان يدافع عنه ويناضل عنه فى زمن محنته وبسبب ذلك أمتحن وتأذى جدا .
وقد أفادته صحبته لشيخ الاسلام رحمه الله جدا فى دينه وعلمه وتقوية خلقه وتربية شخصيته المستقله فأصبح حر الرأى يدور مع الدليل حيث كان ولا يتعصب لمذهبه ابدا ولا لغيره فأصبح فى غاية الانصاف رحمه الله
بعض مشايخه : -
- اكبرهم وأحبهم اليه هو : شيخ الاسلام ابو العباس بن تيميه , أحمد بن عبدالحليم بن عبد السلام
- ثم يليه فى العلم والمحبة حماه : الحافظ المِزَّى الدمشقى , يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك
- ثم : شهاب الدين بن الشحنه الحجار الصالحى , احمد بن ابى طالب بن نعمه بن حسن
- ثم : برهان الدين بن الفركاح البرهان الفزارى الصعيدى , ابراهيم بن عبد الرحمن بن ابراهيم بن سباع بن ضياء
- ثم : الآمدىّ ابو محمد , اسحاق بن يحيى بن اسحاق بن ابراهيم بن اسماعيل
- ثم : علم الدين ابو محمد البرزالى الاشبيلى الدمشقى , القاسم بن محمد بن يوسف
وغيرهم كثير ولكن هؤلاء هم اعلام العصر وكل عصر رحمهم الله جميعا
وللشيخ كثير من التلاميذ النجباء ولكن من اشهرهم :-
- شمس الدين الحسينى ابو المحاسن , محمد بن على بن الحسن بن حمزه بن محمد الحسينى
- و شهاب الدين بن حجّى ابو العباس الدمشقى السعدى , احمد بن حجى بن موسى
صورة للمدرسه الظاهريه بدمشق
مكانته العلمية :-
اشتغل الحافظ بن كثير رحمه الله بالحديث مطالعه فى متونه ورجاله وبرع فى الفقه والتفسير والنحو وافتى ودرس وناظر وصنف , وامعن النظر فى الرجال والعلل , ولم يكن يشغل نفسه بتحصيل الاسانيد العاليه وطلبها وتمييزها عن النازل منها كما يشغل بذلك بعض المحدثين أنفسهم اذ العمده فى علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه , وعلله , واختلاف طرقه , ورجاله جرحا وتعديلا
, وان كانت معرفة العالى والنازل ليست مما يخفى على من هو دونه بمراحل فى معرفة الرجال , كيف لا وقد لازم المزى فى ذلك زمنا طويلا , وعنى بجمع كتابه التكميل وهو فى اسماء وتراجم الرجال
وكان رحمه الله قليل النسيان كثير الاستحضار جيد الفهم حسن المفاكهه كما يشهد له الناس فى عصره
وكان يشارك فى علوم اللغه ويستحضر كتاب الشيرازى( التنبيه ) ويكرر عليه
ومن اقوال العلماء فيه قول العالم الجليل بن حجر فيه : ( سارت تصانيفه فى البلاد فى حياته , وانتفع الناس به بعد وفاته )
وقد الف فى صغره كتاب ( احكام التنبيه ) ويقال ان البرهان الفزارى رحمه الله اعجب به واثنى عليه
وقد كان من اعلم الناس بالسنة النبويه وقد قيل عنه ( اعلم الناس بالمسند , واجودهم له اتقانا )
وكان يفتى بما يصح عنده ورغم انه كان شافعيا الا انه كان يفتى فى الطلاق الثلاث بلفظه واحده بما رجحته الادله عنده وهو انه يقع طلقه واحده وبسبب هذا امتحن واوذى جدا فلم يبال ولم يرجع عن فتواه رحمه الله
وقد كان من خاصة انصار شيخ الاسلام وكان يعرف بما بين شيخه وبين قاضى القضاة تقى الدين السبكى , ومع ذلك لم يعين عليه بل اعلن عن غبطته وفرحته بأن فرج عن شيخه بن تيميه
وقد كان من اكثر الناس اطلاعا على الملل والنحل والاديان حتى ان النصارى كانوا يستشيرونه فى اخص الامور فى الكنيسه
وقد ذكر قصة فى هذا الامر رحمه الله فقال
((( حضر عندى البطرك بشاره الملقب ميخائيل , واخبرنى ان المطارنه فى الشام بايعوه على ان يجعلوه بطركا بدمشق عوضا عن البطرك بانطاكيه , فذكرت له ان هذا الامر مبتدع فى دينهم فأنه لا يكون البطارقه الا اربعه بالاسكندريه وبالقدس وبانطاكيه وبروميه ثم نقل روميه الى استنبولالقسطنطينيه , وقد انكر عليهم كثير منهم اذ ذاك , فهذا الذى ابتدعوه فى هذا الوقت اعظم من ذلك ...... وقد تكلمت معه فى دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاث الملكيه واليعوقبيه والنسطوريه فاذا هو يفهم بعض الشىء ولكن حاصله انه حمار من اكفر الكفار لعنه الله))) لله درك يا شيخن