تنعكس الأجواء العنصرية المتصاعدة في إسرائيل على اللغة العربية،
وبالمقابل يضاعف فلسطينيو الداخل جهودهم لتعزيز مكانتها وحمايتها من مخاطر
متنوعة باعتبارها قضية هوية ووجود.
ورغم كونها لغة رسمية ثانية بعد
العبرية، تصّعد إسرائيل ودوائرها الحكومية مسعاها لطمس لغة الضاد وتغييبها
عن الحيز العام ضمن حملات محمومة تبرز الهوية اليهودية، وتقصي لغة وثقافة
سكان البلاد الأصليين.
وتتجلى السياسة الرسمية بطمس العربية في
الوثائق والخرائط ونصوص اللافتات المثبتة في المؤسسات العامة، وفي الإشارات
المرورية على الشوارع حيث تغيّب تارة أو تكتب بطريقة مشوّهة تارة أخرى.
وكان وزير المواصلات يسرائيل كاتس (ليكود) قد تقدم عام 2010 بخطوة
إضافية نحو تعميق تهويد المكان من خلال عبرنة لافتات الشوارع فتصبح على
سبيل المثال مدينة بيسان "بيت شآن" بينما تكتب صفد "تسفات" وعكا "عكو" إلخ.
تشويه اللغة
والأخطر أن وزارة المعارف تعتمد عربية مشوّهة بمناهج
التعليم المخصّصة لفلسطينيي الداخل، وهي ما زالت تتهّرب من تصحيحها رغم
وعودها بذلك.
وكانت الوزارة شكلّت لجنة خاصة لمتابعة القضية بعد
دراسة مستفيضة أنجزتها جمعية الثقافة العربية عام 2011، كشفت فيها عن وجود
16 ألف خطأ لغوي في كتب التدريس بالمرحلة الابتدائية.
ويؤكد رئيس
كتلة التجمع الوطني الديمقراطي د. جمال زحالقة للجزيرة نت أن إسرائيل تعتمد
إستراتيجية واضحة لتشويه الهوية الوطنية والحضارية لفلسطينيي الداخل (17%
من السكان) في محاولة للحيلولة دون تبلورهم كمجموعة قومية. ويشير إلى أن
تشويه العربية يستهدف الوعي القومي للعرب ويراد لهم أن يصبحوا "عربا
إسرائيليين".
بالمقابل يؤكد رئيس مجمع اللغة العربية في حيفا محمود
غنايم أن العربية تتعرض لظلم أصحابها أحيانا. ويلفت بحديث للجزيرة نت إلى
إرساله مذكرات للسلطات المحلية العربية مطلع الشهر تحثها على الاهتمام بلغة
الضاد في التسميات، وفي الحيز العام من خلال رهن ترخيص المحال التجارية
والمكاتب باعتمادها في اللافتات.
هوية ووجود
وردا على سؤال
يشير غنايم إلى أن مجمع اللغة العربية -الذي تأسس قبل أربع سنوات- يساهم في
الدفاع عن العربية باعتبارها خط الدفاع الأول والأخير عن الكيان والوجود،
مؤكدا أن العربية ليست مسألة حروف واتصال بل هي هوية وانتماء لفلسطينيي
الداخل وتعبّر عن وجودهم وكيانهم، مشددا على أن عدم استعمال العربية يعني
التنازل عن هذه الهوية.
ويوضح رئيس مجمع اللغة العربية في حيفا أن غزو العبرية للعربية في الحيز العام يهدد كيان لغة الضاد ويجعلها على هامش المشهد اللغوي.
وينوه بدور مجمع اللغة في إنجاز الأبحاث والمبادرات لوضع العربية على
أجندة الرأي العام وفي عمق الوعي الجماهيري. ويتابع "نتائج نشاطنا ليست
فورية لكنها تتراكم وتؤتي أكلها رويدا رويدا".
يهودية الدولة
ويعتبر
غنايم أن الحملات العنصرية التي تسود إسرائيل اليوم تبغي التأثير على
العربية ومحاولة إسقاطها. ويضيف "هناك مؤسسات إسرائيلية عامة كشركة
القطارات ترفض اعتماد العربية في مخاطبة الجمهور، ونحن بصدد ملاحقتها بشتى
الوسائل، وسنواصل عملنا خطوة خطوة من أجل تعزيز مكانة لغتنا".
يُذكر أن إسرائيل عمدت منذ قيامها عام 1948 إلى شطب الإنجليزية، وأبقت على العربية لغة رسمية ثانية بعد العبرية.
ويوضح
غنايم أن مجمع اللغة العربية في حيفا شكّل لجنة تسميات خاصة من أساتذة
تعنى بالتسميات، وأنه سيلاحق المؤسسات الرسمية بتثبيت العربية على لافتاتها
ولوائحها.
جهود متواصلة
ويؤكد البروفسور مصطفى كبها من مجمع
اللغة العربية للجزيرة نت أن لجنة التسميات المذكورة والتي يرأسها تحاول
التأثير على سياسة التسميات الرسمية بالدولة. وقال إن اللجنة تعمل أيضا على
التعاون مع السلطات المحلية لتسمية الشوارع والميادين والمفارق بالمصطلحات
والأسماء العربية، حيث تأتي التسميات في محيط البلدات العربية إما مشوهة
أو نقلا عن العبرية.
وامتدح كبها تعاون بلدية الناصرة المدينة العربية الأكبر بأراضي 48 مع
مجمع اللغة العربية بهذا المضمار، لافتا إلى تشريعها قانونا مساعدا لإلزام
كل من في محيط نفوذها باستخدام العربية على كل لافتة قبل العبرية أو
الإنجليزية.
أما رئيس بلدية الناصرة المهندس رامز جرايسي فأشار إلى
أن المجلس البلدي قرر الأسبوع الماضي بالإجماع القانون المساعد المذكور
آملا أن تقتدي به بقية السلطات المحلية العربية.
وردا على سؤال
الجزيرة نت، يوضح جرايسي أن القانون المساعد الجديد يفرض غرامة مالية على
كل من لا يلتزم بالقانون، ويتيح للبلدية إزالة كل لافتة لا تعتمد لغة
الضاد. ونوه إلى أن المبادرة تندرج ضمن رؤيته لتدعيم مكانة العربية
والمحافظة على الموروث الحضاري واللغوي لفلسطينيي الداخل، وتثقيف الأجيال
بالوعي والانتماء للناصرة واللغة العربية.